بسمة ثروت تكتب: صمت راغب علامة.. الأشد قسوة!

 

الصحفية بسمة ثروت

كتبت: بسمة ثروت

(منذ سنوات بعيدة) تبثّ شاشة التلفاز في غرفتي أغنية "قلبي عشقها" المصوّرة، بصوتٍ صاخب.

وقد عجزتُ كطفلةٍ صغيرة عن فهم كلمات الأغنية، أو معرفة مَن ذلك الشابّ الوسيم، والفتاة اللذان يظهران عبر الشاشة، إلا أنّني لم أعجز عن الرقص، والتمايل دون فهم. فنحن بطبيعتنا البشرية، قد خلقنا الله نتّسم بالإحساس، وننجرف نحو الموسيقى، والصوت الساحر، والغناء العذب.


وبمرور الأيام، وقد كبر جيلي، وكبرنا جميعًا، ربما نسينا بعضًا من ذكريات طفولتنا، إلا أنّ ذلك الصوت صاحب الأغنيات التي ترنّمنا بها في صغرنا، لم يُنسَ، وإنّما ظلّ جزءًا من ذكرياتنا نلجأ إليه كلّما عانينا من قسوة الحياة، لنتذكّر أجمل أيّام حياتنا.


الفنّان راغب علامة ليس مجرّد فنّان لبناني فقط، وإنّما هو جزء من هويّتنا المصرية، قد شكّل تاريخ جيلٍ بأكمله.. طفولتنا.. مراهقتنا.. كبرنا.. لم يتخلَّ عنّا يومًا ما، وظلّ يرافقنا طيلة الوقت بصوته الذي يحمل نكهةً خلّابة محبّبة إلى الأنفس، تلامس القلب بمجرّد سماعها. وقف إلى جوارنا في أفراحنا بأغنياته المرِحة، وفي أحزاننا بأغنياته الحزينة، لقد عايش معنا حالاتنا الإنسانية المختلفة، وتقلبات النفس البشرية، فكان دومًا إلى جوارنا، وإلى الآن ما زال يحمل على عاتقه عبء إسعاد الجميع.


وهكذا كنّا نعيش في سلام، ومحبّة، وانسجام مع مطربنا المحبوب الذي نعشقه.. حتى فوجئنا في الآونة الأخيرة على السوشيال ميديا بتعليقات أصابتنا بالصدمة!


عن مَن تتحدّثون؟ عن راغب علامة؟؟!

لم أكن أتخيّل أنّ هناك أحدًا على ظهر كوكب الأرض لا يحبّ صوت راغب علامة، ويكيل له تلك الكلمات الجارحة.


على الفور قرّرتُ تفحّص تلك الصفحات الشخصية لهؤلاء الخارجين عن قانون الطبيعة لأعرف كُنههم، والحمد لله اكتشفت بالفعل أنّهم لا ينتمون إلى العالم الواقعي الذي نعيش فيه، وإنّما هم مجرّد صفحات وهمية لأشخاص لا وجود لهم. فكان السؤال: لماذا يفعلون هذا؟ ولصالح مَن؟


بل السؤال الأكثر دقّة هو: لماذا ظهر هؤلاء بمجرّد ظهور الفنّان فضل شاكر على الساحة من جديد؟ ولماذا يتحدّثون طيلة الوقت عن أمجاد فضل شاكر بينما ينكّلون بأيّ عملٍ فنّي يخصّ الفنّان راغب علامة، بل وصل بهم التنكيل إلى الحدّ الشخصي الجارح!


فما هو وجه المقارنة ما بين راغب علامة، وفضل شاكر من الأساس؟


لقد ظهر فضل شاكر على الساحة الفنية عام 1998 بينما كانت بداية راغب علامة عام 1982. وقد اتسمت أغاني فضل شاكر بأسلوب حالم رومانسي هادئ لا يتغيّر حاز إعجاب محبّيه، بينما تنوّعت أغاني راغب علامة ما بين الرومانسية، والمرح، والحزن، فاتّسم بالتجدّد منذ بداية ظهوره حتى هذه اللحظة.


راغب علامة لم يَكِلْ أبدًا طيلة مشواره الفني عن البحث عن كلّ جديد، ووهب حياته للفنّ، بينما ابتعد فضل شاكر عن الغناء لمدة 7 سنوات، أقرّ خلالها بحرمانية الغناء، ممّا أزعج محبّيه، وجعلهم يشعرون بالأسف تجاهه. في حين أنّ جمهور راغب ظلّ يزداد، وينمو، وتكبر محبّته في القلوب يومًا بعد يوم، وبمرور السنين.


إذا كانت تلك الحملات الموجّهة، وذلك الذباب الإلكتروني من محبّي فضل شاكر، فلِمَ لا يكتفون بتمجيد مطربهم المحبوب دون التنكيل بفنانٍ آخر كلّ ذنبه هو نجاحه، وحبّ الناس له؟


ولماذا لم يحاول فضل شاكر أو نجله محمد دَحْض تلك الإساءات تجاه راغب علامة، والتنصّل منها، بصفتها موجّهة من محبّي فضل شاكر؟ فكان يجب عليهم تبرئة أنفسهم كي تُرفع لهم القبعات، بدلًا من أن نجد محمد نجل فضل شاكر يظهر بالفيديوهات ليهاجم هو الآخر الفنّان راغب علامة الذي لم يحاول الدفاع عن نفسه، أو ردّ الصاع صاعين، بل اكتفى بالصمت.


وربّما كان وقع صمته في قلوبنا أشدّ قسوة من الكلام، لندرك مدى الإساءة التي تعرّض لها دون ذنب، وليترك محبّته في قلب جمهوره هي التي تتحدّث.


كان فضل شاكر قد وعد محبّيه ببداية جديدة، وعودة جميلة، ليصالحهم مجددًا بعد أن أحزن قلوبهم بابتعاده عنهم، فهل إسعاد قلوب محبّيه ينبغي أن يُبنى على كسر قلب جمهور راغب علامة الذي انتابه الحزن، والغضب بسبب التطاول على فنّانهم المحبوب؟


أيضًا هل يرى فضل شاكر أنّ محبّيه سوف يسعدون بالفعل بذلك التراشق، وتلك المقارنات الخيالية التي لا محلّ لها، بدلًا من أن يسعدوا بالجديد الذي يقدّمه؟


لماذا نبني سعادتنا على جرح غيرنا؟ وهل التقليل من الآخرين، وكَيْل السِّباب لهم، يجعلنا أكبر شأنًا في عيون الناس؟ أم يجعلنا نظهر بشكل أكثر ضآلة في الأعين؟


الصمت إزاء الجُرح، من شِيَم الكبار، والنجاح يُخرس الأفواه. وقافلة راغب علامة تسير إلى الأمام، ونجاحه، وجمهوره هو من يتحدّث عنه.

تعليقات