محمد بدر يكتب: «عايش إكلينيكيا» محاولة للهروب من الحياة للموت

 

محمد بدر يكتب: «عايش إكلينيكيا» محاولة للهروب من الحياة للموت

يعرض على مسرح مركز الهناجر للفنون بدار الاوبرا المصرية مسرحية جديدة بعنوان «عايش إكلينيكيا» كتابة واخراج احمد فتحي شمس.

جميعا نعرف ان كلمة الموت الإكلينيكي او الموت السريري والذي يمكن إحياء الشخص منه بواسطة إنعاش القلب والرئتين، هو لا يعتبر موتًا حقيقيًا ولا يترتب عليه أي أحكام شرعية وذلك قبل ان ننتقل لا محالة إلى مرحلة الموت الدماغي الذي يسمى بالموت البيولوجي. وبالتالي فمن عنوان العرض ستعرف تلقائيا مضمونه وهو عن شخص يعيش، ولكنه ميت اكلينيكيا وهو ما سنحلله تباعا داخل المقال.

فكرة المسرحية حول مدرس يدور في دوامة الحياة الصعبة، وقدمها لنا المخرج من خلال توجه تعبيري خيالي يصل لدرجة العبث الممزوج بالكوميديا السوداء، وقد وصل الى هدفه من خلال إمكانيات اخراجية ولغة نصية عكست الحالة النفسية التي يمر بها البطل وباقي شخصيات السيناريو.

يتكون العرض من 10 شخصيات حاضرة، وبعض الشخصيات الغائبة والتي تم ذكرها ولم تظهر على خشبة المسرح مثل دادة المدرسة واعتدال زوجة المدير، بالإضافة الى شخصية الراوي الصوتي والذي يبدأ العرض للتعريف بشخوص المسرحية وهم:

صابر مطيع: وهو الشخصية المحورية داخل الاحداث وهو مدرس مسكين في مدرسة يعيش حياة بائسة وكما يقول "انا عايش مش جنب الحيطة لأ جوة الحيطة" ورغم ذلك فيقع في العديد من الازمات.

عفاف: وهي مدرسة دلوعة زميلة لصابر في نفس المدرسة، وخلال الاحداث تؤدي شخصيات أخرى مثل: ألفت خطيبة صابر، ودوسة بائعة الهوى، واشواق راقصة الملهى الليلي. 

صبحي: وهو ساعي المدرسة الملم بكل تفاصيلها واسرارها 

المدير: وهو مدير المدرسة التي يعمل بها صابر ويؤدي مجموعة من الشخصيات الأخرى داخل العرض

أخو ألفت: والذي يقدم شخصية الشيخ فواز الخليجي داخل الكباريه، ودور فرج الممرض داخل العيادة

القواد رزق: والذي يعمل مع دوسة في الشارع، ويقدم شخصية أخرى المغني الشعبي شوقي داخل الملهى الليلي

الطبيب: وهو طبيب كشكول تعتقد في البداية انه نفسي او باطني ثم يتحول لطبيب نساء وتوليد انطلاقا من حالة البطل العبثية

وهناك شخصية ملاك الخير: وهو الشخصية الناصحة للبطل وكأنه طيف يظهر ويختفي خلال الاحداث 

وشخصيات باقي المدرسين والذين يقدمون شخصيات أخرى مثل أبو واخوات خطيبة صابر وكذلك فرقة الملهى الليلي 


ينقسم السيناريو الذي حمل مضمون من وحي خيال المؤلف الى حوالي ستة مشاهد رئيسية مثل: مشاهد المدرسة سواء داخل غرفة المدرسين او في مكتب المدير، ولدينا مشاهد بيت خطيبة صابر ومشاهد بيت صابر الخيالية ومشاهد الشوارع الليلية ومشاهد الكباريه ومشاهد العيادة.

وانقسم البناء الدرامي للعرض الى ثلاثة اقسام: مقدمة- حيث بدأ العرض باستعراض الدوامة التي يعيش بها ابطال المسرحية ويرقصون ويحركون رؤسهم مثل التفقير في زكر الموالد لتبدأ الحبكة الرئيسية داخل العرض بالمدرسة وما يدور بها من احداث ودخول البطل المحبوب من زملائه والخادم لهم ضمنيا نتيجة طيبته وسذاجته، فالنص به وحدة في الموضوع وهي حياة البطل وما يعانيه ووحدة في الزمان الذي يعيشه البطل في حاضره اما المكان فكسر هذه الوحدة لأنه مع تصاعد الاحداث باتهام البطل بتبديد عهدة المدرسة ودخوله في نوبة نوم او حلم موته ليس سريريا ولكن مكتبيا حيث كان نائما على ديسكك بغرفة المدرسين ينتقل بنا البطل الى امكان أخرى تنوعت بين بيت خطيبته او الشوارع او مكان خلوته او الكباريه او عيادة الطبيب.

لنصل معه الى وسط العرض- حيث يدور الصراع بين وبين نفسه من جانب وبين الشخصيات المحيطة به في المدرسة بعد اعطائه مهلة أسبوع ليشي على أحد زملائه ليبرئ نفسه من التهمة او يتحمل هو تبعات الامر كله كما يتحمل شغل باقي المدرسين ومصاريف علب السجائر الخاصة بهم لمجرد انهم اصدقاؤه ولكن عقدته الأساسية هي الإجابة عن تساؤل واضح لماذا نحن على قيد الحياة او احنا ليه عايشين؟

لنصل معه الى الخاتمة- من خلال ذروة الاحداث عبر تجربته الحياة الأخرى من سهر وشرب والبغاء وفتيات الليل ووقوعه بشكل عبثي خيالي في علاقة مع احداهن ونتيجة العلاقة يكون حاملا في مولود -هو الذي حمل وليس هي- وحين ينجب ابن الخطيئة يفهم حقيقة حياته البائسة، وحين يفهم نفسه لا يحتاج الى ان يفكر في صعوبات الحياة ليقرر ان يكون الحل هو الهروب من الحياة بالموت، حتى لو كان موتا إكلينيكيا.


وفيما يخص أسلوب الإخراج فقدم المخرج رؤية خاصة به من خلال اختيار فريق من الممثلين على درجة عالية من المهارة في تجسيد الشخصيات وقاموا بأداء تمثيلي متميز جسديا وصوتيا، وقدرتهم على تنويع الأداء لأكثر من شخصية داخل العرض مثلما قام به العنصر النسائي الوحيد بالعرض الفنانة نهلة كمال في تجسيد اربع شخصيات، وشخصية الناصح بغته العربية الفصحى والتي جسدها الفنان ياسر أبو العينين، كذلك شخصية الطبيب والذي لعب دوره الفنان محمد يوركا والتي حمل على عاتقه القسم الأخير من العرض مقابل الأداء الهادئ من البطل «صابر» وانكساره مع ادائه الحركي والأداء التمثيلي الصامت او البانتوميم خاصة في نهاية العرض والذي تفرد به الفنان مصطفى حزين، علاوة على بعض الحركات الراقصة والتي قام بتصميم تكويناتها محمد بيلا. 


ومن العناصر المسموعة داخل العرض بعض الموسيقى الصوفية في افتتاحية العرض مع رقصة الاوفرتير بالإضافة الى الموسيقى المصاحبة لبعض الابيات شبه الصوفية من تلحين احمد شعتوت، بالإضافة الى أغاني عامة مثل أغاني احمد عدوية، وثلاث أغاني كتبها المخرج خصيصا للعرض وهم: اغنية موعودة يا حودة، اغنية دوسة، اغنية تقل الحمل.

ومن عناصر التشكيل المرئية للعرض، حيث صمم احمد رشاد ديكور انقسم بين الوظيفي والشكلي فكانت البانرات على جانبي المسرح ثابتة في كل المشاهد اما الديكور الوظيفي فتمثل في: ديسكات المدرسين ومكتب المدير والطبيب، وكنبة الكشف واستراحة الطريق وترابيزات الكباريه وسلم الخلفية 

اما الأزياء والمكياج والتي أشرفت عليهما كارمن احمد فجاءت ملائمة لكل شخصية خاصة شخصية البطل والذي ارتدى ألوان رمادية تعكس حالة الحياد التي يعيشها وتحوله بعد ذلك من خلال ارتدائه لجاكيت اصفر والذي يدل على خداعه للمشاهدين لأنه يحلم او مرضه النفسي نتيجة عقباته، وكذلك تم استخدام اللون الأبيض في ملابس شخصية الناصح والتي عكست حالة الطهارة التي يعيشها ويحاول ان ينقلها للبطل، وملابس مدرس الكيمياء الحريرية والمزركشة والتي تدل على انه هوائي فالت يحب اصطياد الحريم، وملابس المدرس المتدين البنية والتي تعكس درجة من السخونة لديه نتيجة حقده على باقي المدرسين و كلامه عنهم باستمرار في غيبتهم.

اما عن الاكسسوار فلم يكن هناك اكسسوار وظيفي كثير سوى: كشكول الحصص مع البطل وكذلك سماعة الكشف مع الطبيب ولم يستخدمها عن عمد، والسبحة مع المدرس المتدين شكلا، والسيف مع أخو خطيبة البطل.

وفيما يتعلق بالإضاءة والتي صممها محمد عبد المحسن فتنوعت بين الأبيض والاحمر خاصة في مشاهد الموت والتأثير النفسي واستغلت بشكل متميز مع الستارة الخلفية في صنع السلويت او الصورة الظلية المضادة للإضاءة والتي صورت البطل وباقي الشخصيات في أكثر من منظر منها مشهد الصلب والتعذيب بالكرباج او مشهد الموت التخيلي.

الجدير بالذكر ان مسرحية «عايش إكلينيكيا» انتاج قطاع شؤون الإنتاج الثقافي ومن بطولة: مصطفى حزين، نهلة كمال، يوركا، ياسر أبو العينين، وعمر صلاح الدين، أحمد خشبة، عبد الرحمن علي، أحمد رشاد، محمد عبد المجيد، ومشاركة خاصة بالصوت للفنان حمادة شوشة، ومساعدين الإخراج: هادي أحمد وسهيلة رمضان وأمينة عصام، ومخرجان منفذان: سامر العربي ومحمد الشيضي، والعرض كتابة واخراج احمد فتحي شمس.



تعليقات